«رجاجيل الجوف» تقع في الجنوب الغربي من مدينة سكاكا، وهي أعمدة أثرية تقارب الخمسين مجموعة، وتتشكل كل منها من نحو 5 أعمدة، تقف بشكل عنقودي في دائرة كبيرة غير منتظمة، يبلغ نصف قطرها 400 متر تقريبًا عند أطراف صحراء النفود بشمال شرق المملكة.
خير الله زربان
تصوير: سلطان الزيد
أعمدة تثير الدهشة وتتضارب حولها آراء علماء الآثار من حيث حقبتها التاريخية التي يعتقدون أنها تعود إلى ما قبل عام 3000 قبل الميلاد عندما بدأت الحضارة البشرية في الازدهار أولاً في مصر القديمة والعراق، مستندين في هذه الرؤية إلى أن الأحجار تحمل نقوشًا يرجعونها بحسب دراساتهم لها إلى فترة ما قبل الإسلام.
أسرار الألف الرابع قبل الميلاد
لقد أشارت بعض الافتراضات الأثرية إلى أن موقع «رجاجيل الجوف» يعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، هذا ما يقوله عالم الآثار الدكتور عبدالرحمن الأنصاري، الذي يبين أن الموقع بحاجة إلى إجراء تنقيبات مختلفة للوقوف على أسراره وغوامضه، لافتًا النظر إلى أن الأعمدة فيه تشبه إلى حد كبير تلك الأحجار الموجودة في بريطانيا والتي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. ويضيف: إن هذا الشكل الحجري قد يكون مرتبطًا بطقوس عقائدية في أغلب الظن، أو هو بمنزلة أحد الأشكال الاستدلالية بعلم النجوم والفلك.
تعامد مع الشمس من فجر التاريخ
لقد لاحظ الخبراء سمات خاصة بأعمدة «رجاجيل الجوف» المنتصبة، إذ تشترك جميعها في تعامدها مع شروق الشمس وغروبها باستثناء واحد، ويوجد في الناحية الغربية من كل مجموعة بناء على شكل نصف دائرة فيما عدا واحدة، والكثير من هذه الأعمدة محطم، وتتوزع في مجموعات، تشمل كل مجموعة أربعة أعمدة، ارتفاع الواحد منها حوالي ثلاثة أمتار، ويرجع تاريخها تقريبًا إلى الألف الرابع قبل الميلاد. كما عثر في الموقع على أدوات حجرية تعود إلى أواخر العصر الحجري الحديث، وهي عبارة عن رؤوس سهام ومكاشط ومخارز. ويرجع المدير التنفيذي لجهاز التنمية السياحية والآثار بمنطقة الجوف، حسين الخليفة، تسمية الموقع بـ«الرجاجيل» من جمع رجال، لأن المشاهد لها من بعيد يظن أنها رجال واقفون. ويجذب الموقع بمميزاته تلك وغموضه وفرادته السياح، حيث يرتاده كثير من الناس متسائلين عن تاريخه وحضارته.
الجوف.. موقع متميز
منطقة الجوف تعد مقصدًا للسياح الباحثين عن المواقع التاريخية والحضارية، حيث حباها الله قديمًا بموقع متميز على الطريق التجاري بين العراق والشام وشرق الجزيرة العربية والذي جعل منها منطقة مهمة للتجار وقاعدة لحماية الطرق، لذا نشأت فيها العديد من الممالك العربية القديمة والتي وردت في الكتابات الآشورية المؤرخة بالقرن الثامن قبل الميلاد، وسبق هذه الفترة سكن واستقرار في مواقع مختلفة منها كموقع الشويحطية الذي يرجع تاريخه إلى مليون وخمس مئة ألف عام ماضية، وتقول الدلائل الجغرافية والمناخية إن المنطقة كانت تعيش في ذلك الوقت حقبة «العصر المطير» حيث تنتشر فيها الغابات والجداول المائية، ثم توالى التحول في المناخ من العصور المطيرة إلى الأقل أمطارًا، والتي تعود إلى حوالي الألف الرابع قبل الميلاد الذي نجد في فترته حضارة العصر الحجري الحديث.